دموع على رصيف الغربة
دموع على رصيف الغربة
النفسُ تبكي على الحالِ بما قساهُ زماني
ياغربةً لما أسرتني وكلُ جدرانكِ قد أبكاني
قد تكاثرتْ بجدارَ ضلوعي رؤوسُ الرماحُِ
فمن بدروبُ الهلاكِ أجهدني بها و رماني
هل أضاقتْ بنا السنينُ حتى ترهقنا الشتاتُ
سفرٌ قد أطاحَ بمقلتي و راحَ يهدُ بكياني
فجرى على الورق حرفُ الحزنُ و إنقلى
كأنَ السيوفُ قدري تذبحُ و تقطعُ بأغصاني
و ليسَ لي ثناءٌ من نعمِ الأقدارِ أني أراهُ
بجحفِ العيونِ غبارٌ و بالقلبِ جمرُ نيراني
فألقى الحتفُ من شرِ الموت كلما ألقاني
أنسابُ ليومِ السقوطِ و أذوبُ قهراً بإدماني
كيفَ ترضى تلكَ الضمائرُ ان تجنى أرواحنا
و على الشمسِ مكارمي تدنو بعطرُ عنواني
فمازلتْ تضربني الأقدارُ دراكاً في الذرى
كضربُ السيفِ لشاةِ الجريح بمهارة الطعانِ
بسراطِ الدروبِ قد مشيتُ بخطى طيبي
فأورثني دمعُ الهلاك حينما الملاكُ أغواني
سجيةٌ تلك الروح ماتزالُ تلحُ بهذا الجسد
ألمٌ يبرحني بغربتي بفراقِ أحبابَي و خلاني
و إذا سُدتْ بوجهُ المرءِأبوابُ القوم وتهاوتْ
فماعلى المرء الا الرحيلَ حيثُ عدلُ الميزانِ
فلولا ضيمِ السيوفِ لنا ما كانَ الحجرُ رحمُ
و لا الشركُ قد بلغى ذروتهُ بشرُ الزماني
ياأيها المعتوه مالكَ تهزي و ترمي بدموعكَ
و تطعنُ بروحِ الوتينِ كذابحِ البعيرُ الجبانِ
أجهد بذاكراكَ ألماً حيثُ الوغى تفارقهُ
يطرحني و يسألُ لما الدمعُ يطفو بأجفاني
و الماءُ بين المرايا كشلالُ الوديانِ تجري
فعلى دروب الكفارى حبلُ مشنقتي مدانِ
سودٌ تلك الليالي و الأيامُ حين أضحتْ
تحت وسادة الايامِ خبئتُ حلماً وكل الأمانِ
فإني تحايلتُ بثوب الردى على الأوجاعِ
و أهملتُ بكل العمرِ بدارُ النسيان للنسيانِ
ياداراً ما تركتها بخاطري ليسكنها الغبارُ إنما
قد تهجرتُ قسراً من بلدي من شرِ الغربانِ
حتى عبرتُ بعشراتُ السنينِ مرهقٌ بتعبي
فيا لهذا العارُ الذي ألبسني بدارُ الشيطانِ
و الطرقُ بغربتي ضيقٌ مسالكها بكفرُ القنا
فأدمعٌ حينما أتذكرُ أشيائي و صورُ جدراني
رحلتُ مفارقٌ للأهلِ حين أطاحتْ الأقدارُ
و نمتْ على ظهرُالرحيلِ بجروحي و أحزاني
و كم أضحتْ ببكائها عيوني بدمعة الألمِ
ذكرُ الامس ثقلٌ في الورى و عيبُ حرماني
مالها الأيامُ تشتتُ أوصالنا بدروبِ اليأس
تجرحنا بشرك النوى ترسو بحقدها بشطآني
مالها تعبثُ بسيرة العمر و تحرقني بشتاتي
وتلك القلوب الحاقدة لما دوماً تطرزُ بأكفاني
فأدنو شريداً كذاك الغريبِ المعتوه بالمنفى
أبعثرُ على أرصفةُ الغربةِ بدموعُ الخذلانِ
أجولُ بمحرابُ الساقطين ضياعاً مصلوباً
على جدار البؤسِ مع الدمعُ الذي قد رباني
و كم همتْ نفسي أرقاً حين تهتُ كالغريب
أتقلبُ بفراشي من وجعي أهزُ نوحُ الهذايان
كم جرحاً قد أصابني برعشةِ الهلاك و أجهد
ني فهل لمثلي فرجٌ ألقاهُ بعصرُ الأنسانِ
لربما حين أدنو مع الموتِ بدارُ التراب و
أغمضُ عيني تبصرُ السماءُ لعنتي و تراني
لولا شقى الأنسانِ للأنسانِ ما دنا الشرفُ
بمربى الصعاليكُ و لا أحرقَ الدهرُ وجداني
و إني ما أرضيتُ الكلابَ يوماً بحرفُ شعري
فعارٌ أن غدا القلمُ يكتمُ ظلهُ بجبنُ الكتمانِ
ها أنا أشكو الهلاكَ بزمنُ الطغاةِ دون خوفٍ
و أرسو غضباً كالأعصارِ و أن الموتُ ألقاني
عن ظلمِ الشياطينِ أكتبُ بروائعُ الحروفِ
فأن الكرامةُ قسمتْ لا للجبناءِ بل للشجانِ
يا غربة الأيامِ متى سألقى دربُ الرجوعِ
فالدمعُ ساخبٌ بمرهِ كلما الوجعُ صاحَ بآذاني
أنا الأميرُ بعرشُ الآلامِ أصيحُ وجعاً يا داري
هذا العناءُ قد أشقى زمم الراحلينَ وأشقاني
شأنُ اللئيمِ بعلتي مكنونٌ منذُ بعدِ القرونِ
فأجلُ الظليمِ علقمٌ و أن طالَ أمرُ الرحمانِ
خَضعتُ روحي بمهالكُ الزمانِ و أسقطتها
و أذلتُ نفسي على أبوابِ الحميرِ بغفراني
اليأسُ مالهُ يجرني لشقاوة الأرقِ و يسحقني
فأكملتُ طقوسَ الرسبِ و ريحُ اللحدِ دعاني
رحتُ أجولُ بخيبةُ سفري بديارُ العجمِ
و يومُ النوك راحَ يكسرني بمرهِ و قضاني
ترهلَ ثوبَ هذا الجسد وصارَ الوقتُ ضجراً
فعلى الناسِ ردُ الدين الإحسانُ بالإحسانِ
و إذا مدحتُ الامسُ قالوا حمقٌ بما ذَكَرتهُ
فتباً لغربتي و لهذا الجرحُ الذي قد بلاني
لو كان لجرحي المر دينٌ لأراحَ طيبُ الثرى
فجرحي عميقٌ بديارُ غربتي و سودٌ ألواني
حلبُ كيف سأحلمُ بالشمس و بعدكِ ذابحٌ
الشوقُ يغلبني و لوصلكِ رغبةٌ آه لو بإمكاني
تعسٌ بدموعي كالقرابينِ أسلو بهمُ الضباب
لا طيبٌ يذكرني بمنفاي و لا دارٌ أرضاني
نافستُ هذا الموت على ضريح القبرِ إنما
تنازلتُ لهُ عمداً حين أقرَ بهزيمتي لساني
مصطفى محمد كبار
تعليقات
إرسال تعليق