صدمة العودة

صَـدمـةُ الـعـودةِ

بعد غيابٍ لأعوامٍ ، أخذَني شغفي و شوقي لزيارةِ الوطن و ديار أهلي ؛ لأرى ماذا حصلَ لهم ، فذهبتُ عبرَ الطرقاتِ الوعرة و المساحات الطويلةِ ، و آثارِ دواليب الشاحناتِ و الدبابات ، فأُصِبتُ بألم في رأسي ومعدتي ، وارتعشَ جسدي منَ الأم و حرارة الشوق و برودة المشهد ، حتى أوقفتُ السيارةَ واستفرغتُ مرتَين ، و كادَ رأسي ينفجرُ ، وقلبي يعتصر ألماً ، و لساني تجمَّدَ ، فأصبحتُ الخرساءِ ، وطافَ الحزنُ على أرجاء جسدي ، حتى غدتْ كلُّ مشاعري ألماً جارحاً للنفسِ .
يؤلمُني عيوني ، وهي تبكي ، حيثُ تنهمرُ الدموعُ على وجنتيَّ ، و أقفُ حزينةً على ذكرى تلكَ القلوب المتهالكة ، فقد أثقلتْها الهمومُ و الأحزانُ على شُهدائها وأحبائها المهاجرين .
الوطنُ أصبحَ فُتاتاً وأشلاءَ مُبعثرةً ، تعبتِ الأحداقُ ، و انهارَ الجسدُ ، و باتَ قلمي أصمَّ ، فقد تجمَّدَ الحبرُ فيه .
أنظرُ حولي .. فأرى كلَّ الوجوهِ شاحبةً وغريبةَ الأطوار ، لا ماءَ ... لا كهرباءَ ... لا زادَ و لا دواءَ .
كلُّ شيءٍ يتوفَّرُ بصعوبة بالغةٍ ، و بالتنقيطِ يأكلُ الناسُ ، دونَ أن يشبعوا ، لا حياة هنا ، و هناك خرابٌ و دمارٌ . 
لا أرى مَنْ يثورُ على الظلم ، بينَما الحقدُ في النفوس يثورُ معَ الغيومِ السوداءِ الجافةِ المُحملةِ بدخان الحرائق و الغبار ، ولا مطر يغسلُ وجهَ المدينة الداكن و الشاحب . 
باتتِ المدينةُ مُعلقةً على أعواد المشانق ، و كلُّ غاصب يهرولُ ، كي يسقطَها أرضاً لتُشنَقَ ، وتنتهي مراسيمُ جنازة وطني بعد الفجر .
وعلى بكاء العصافير نصحو ، و الديكُ يُجري تفقُّداً لدجاجه كلَّ صباح .
تجمَّدتْ أناملي ، ولم أتممْ قصيدتي الخرساءَ .
بدأتُ أتأملُ من الشُّرفة كالصمَّاء ، أقارنُ بعيوني بينَ هذا الزمن و زمن الأجداد ، و ما وصلَ إليه وطني ، فكلُّ الأوطان في تقدُّمٍ ، و وطني في تراجع و دمارٍ .
أينَ هم مَنْ كانوا يشعلون الثورات ، و يحطِّمونَ القيودَ و الأغلالَ ، و ينادونَ بالشعارات و الهُتافات ؟ 
هل انتهى كلُّ شيءٍ ، و باتَ الوطنُ سلعةً للبيع ، واعتقال أصحابه ، وتهجيرهم خلفَ الحدود ؟
و مَنْ يحكمهُ هم تجَّارٌ في ساحاته ، وضعوا لافتاتٍ للمزاد العالمي ، يبعيعونه لمَنْ يدفعُ الأكثرَ .
يا حسرتي على ترابك يا وطني المذبوحُ بسكاكين الخيانة ، و طعنات غدر  الغادرينَ ... ! 

✍️ سَــلـمـى الـيُـوسُــف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خواطر أدبية

خلف الجدار

خواطر أدبية. . . خيوط الشمس