دمعة على الرصيف
دمعة على الرصيف
ماذا أورثتني
يا أيها الشاحب البعيد
حتى سقطتُ في النهوض
لأمشي بجنازتي
وحدك المنسي في المقهى
بغربة منفاك
فإبكي بصمت طويل إن
أردت
تقولُ لي سيدة
مسنة
و هي تمرُ من أمام الباب
في الشارع
و أنا جالسٌ أتفحصُ جريدتي
القديمة في المقهى
المهجور
فقلتُ لها من يسكن
الريح في المنفى
لا يكتبْ أسمه على
وجه الحياة
فلا يُرى أسمه إلا بعد
الموت
ليترك ورائه أثراً
يعَبد به الجفاف الأخلاقي
للعابثين المسرعين
ثم أكملت طريقها و مضت
خائفة من الوقت
و أنا كذلك عدتُ خائفاً
من غدي الجريح
لأكمل البحث بأسماء المفقودين
في الجريدة
فأشعرُ بخيبة الوقت من الملل
أتزمر بمر الضجر
و أتعفنُ ضجراً قديم بجسدي
بصدى الوهم
يحملني ضباب الأمس
نحو اللإنتماء
فأهمسُ للحجر سراب
فكرتي البائسة
و أحلمُ أن أقتبسُ
من الوحي
مفردات القصيدة
المتناثرة
لأنتمي إلى عالم الغياب
العتيق
فأنا أسلي نفسي بقصة
الصور الكاذبة
لأخرج ذاتي من دائرة
التحطم الإنفرادي
فمنذ متى و أنا أسكنُ
ذاك السجن الكئيب
منذ متى غفوتُ على
الثلج
كوردةٍ ذابلة في ملح
الوداع
فلا أدري من أخلع من فوق
جسدي معطفي الوحيد
و لستُ أدري من سرق
حذائي القديم
و ساعة الصباح من
نهاري
فأنا لا أستطيع الصعود
لجدران ذاكرتي المتعبة
لأشكو خبراً في
الحكاية
يسبقني ماضٍ جريح
و لا أستطيع أن أبوح
في الشرح سري للأصنام
يرهقني أحاديث الصعاليك
برمل شتاتي
يسبقني سفر ذكرياتي
بعويل الريح المتأنسة
من سيحملُ نزف كتب التاريخ
عني
من سيعبر بحور الشعر
الساقطة
من دواوين الشعراء الثكالى
ليوم النجاة
فمازلتُ أنا جالسٌ بنفس
المقهى للتافهين
مازلت أنتظر جعبة
المجهول
من سيرث من قبري
رائحة البكاء
من سيرث من كتاباتي
الرثاء
و يتذكر لحظة سقوطي
في لعنة البلاء
فمازالتُ ألبسُ عبائة
الخيبة ها هنا
و أحاول أن أجمع
المكان
بكوب الشراب الفارغ من
العبث
و لم أكن أعلمُ بغيابي
يوم ولادتي
و بأني لستُ هنا مع
الحالمين بالحب
كم أنا سيء الحظ
و بائس بطقوس
الأوجاع
منذ زمنٍ البعيد و أنا
أرتجفُ غربة
و أدنو بحسرة العمر
فأنا لستُ هنا
و لم أكن هناك
يوم ضاع مفتاح بيتي
القديم
فأنا أتذكرُ فقط وقت
الرحيل المر
و لكني لا أتذكرُ أبداً
محطة القطار الوحيدة
لطريق العودة
كي أعود من زمن الغياب
و أحيا في التراب
و لا أملكُ من لون
الجدار
فكرة الشعراء القدامى
و لغتهم
و لا طريقتهم بوصف الكلمات
المدونة على جدارية
الدهر
لكي أدون في
القصيدة
وصف كآبة شاعرٍ
متحجر
يعمقُ بالمعنى القبيح
الجارح سهواً
و يجيد لغة الوجع في
النثر
فكلما إصتدمت أشواك الطعن
بجدار الوتين
كتبتُ قصيدة من وحي
الوجع و بكيت
فألتمسُ عذراً من جسدي
المقتول
و أعتذر من عمق
جرحي
فالهواء يهبطُ بصورة
الروح متدحرجاً بظله
الطويل
كالغريب أمشي بسكرة
الطرقات متشرداً
كمجنونٍ أمضي تائهاً في
دنيا السراب
أتحايلُ أحياناً على ضجر
الليالي
لأنسى غياب القمر
فأصرخُ على ذاك الشبح
الشريد منادياً
يا شبحي
كم مضى من الوقت
على موتنا
حتى أثقلتنا غبار
الأزمنة في الرحيل
يصفنَ الشبح قليلاً في
السماء
ثم يتمتمَ و رأسه في
الأرض
محدقٌ في الوحل
مع ظلي المكسور
و هو يقول منذ ولادة
النمل
و يمضى نحو الغيم الراحل
ليستريح من سفري
فقلتُ يا أيها القلب
الحزين
متى بكيتَ طعناً
أول مرة
و نمت مع الموت
الغريب
دون أن تكتب نعوة
جنازتنا على جدار
البيت
فمالكَ لا تستكنُ و
تهدء
فيا أيها قلب لا تقتلني و أنا
عاري الثوب بنومي
كما الأمس قتلني و انا
نسيت أن أدفن
جنازتي
فلا ترسو بجرحك على
شواطئ الإنكسار
البعيدة
فليس لمثلي هناك له
أثر
قلتُ يا قلب تمهل
إقتلني فقط
عندما أُنهي كتابة
القصيدة
لأحيا بالمعنى الضباب
بملحمة أحزاني
فالقصيدة هي مقبرتي
الأبدية منذ الأزل
فلا تستعجل بسفك
دم المقتول
إنتظر صحوة الغائب
في الأسر
ليحكي سر الحكاية
المخفية للأسماك الغارقة
في الأعماق
و لا تسطرني فوق رصيف
المنفى
حجراً من لوعة الألم
لأبقى أبكي بموكب
الجنازة
إنتظر صوت الديك عند
بزوغ الفجر
ليعلن خبر الوفاة
و إسجد ك قاتلٍ محترف
بين أضلعي
فمن أنا لأكون ضحيتكَ
الحية
بزمن قصيدة الندم
لأكتبَ شعراً من مديح
الخلل الحاضر
أو عن ضياع الوحي
بعتبة التافهين
الصغار
فأنا فقط هنا
لأدق أجراس الكنائس
المهجورة
لأقظُ بتمردي الموتى
القدامى
ليحكوا سيرة الموت
الطويلة للظالمين
فأنا سأبقى أتمعنُ شكل
الماء
بين نهد الفراشة
العابثة
لأدرك درب القلوب
الساقطة
بزمن الكلمة الناقصة
في النص الأخير ............ هذا
هو كل الرواية
مصطفى محمد كبار ........ 31/3/2022
تعليقات
إرسال تعليق