فجر الظلام

فجر  الظلام

قلتُ لأبي بذروة
الوجع
يا أبي ...... ؟
قد بكيت على ذاتي 
المقتول
و دفنت كلَ ذكرياتي
حينما قرأت نعوتي بتاريخ
ولادتي 
و إني قد ورثت من الأيام 
كل الأوجاع دفعة
واحدة 
و لم يبقى وجعٌ آخر ههنا
ينقصني
فأنا أعيش حياة البؤساء
المنكسرين 
و متربعٌ فوق عرش الهوامش
لوحدي في النسيان
لماذا  هكذا  هي العناوين
يا أبي تقتلني دائماً بصمتٍ
متراكم
و إني ضائعٌ يا أبي ما بين
جراحي و الموت
درست الإكتفاء بالوحدة 
لألف عمر
فهدني الطعنات بزحمة 
الآلام
و أغرقني  صمت الآلهة
فجأني  خدش الحياء من
نافذة السماء 
سمعت أنين البكاء يأتي
من بعيد
قلت في نفسي لآخري
المتوفي
هذا الصوت  كأنه  صوت 
أبي 
إنه يشق صدى الإنكسار 
بكى  أبي في القبر  معي
و تنهدا  بحسرة
ثم عاد  و  أوعزني بالفراغ 
الساقط
فقلت له
منذ  متى   الرحيل كان
يسرقنا يا أبي
قال  منذ  نطقت  بأولى
الصلوات
قلت  لم  أكن  قد  ولدتُ
بعد
و لا  أتذكر  وجه  خيبتي
هناك   
فقال  .....   
قد  تركتك  ولداً  سعيداً  
يوما  كنت  صغيراً
فلما  الآن  تجهش  خلف  
الراحلين 
فأنا  حملتك  عندما  كنت
تحلم  بالفراشة
و سميتك  بالفتى  المدلل
ثم سفرت  بأجنحة الريح 
للغياب و نسيت أن
أحيا
فالموت قد علق وصيتي 
الأخيرة على الصليب 
و نام  معي  تحت  التراب
فهل  قرأت  يا بني 
من  الوصية  ما  يؤلمك
حزناً
قلت  نعم  
قد  قرأتُ  ما يكفي  لأتوجع  
أكثر  و أكثر 
لكني  لم  أفهم  لغة الموت
في  الشعر  الحديث 
يا أبي
و مازلت  ألتزم السكون  مع
الغيم  المسافر 
فأنزلني  لو سمحت من على ظهر
القصيدة  
لأجلس  عند  قبرك  و 
أبكي
فهنا  أجد  راحتي الأبدية  
و السكينة 
أعطني فرصةً  أخرى  لأبكي  
على وداعك القاس 
قال  أبي
يا ولدي الحزن  قد  أوشك  
على أن ينهي وجعه 
بجسدي
دعني أستوعب صورة
الخذلان معكَ
و إذا  بكيت  علي  يا  ولدي
هل  ستعيد  لي  الحياة
ثانيةً 
لاحضنك  بشدة  و  أرتب
هذا  الرحيل
قلت  لا  يا أبي
لكني  إذا  بكيت  على
قبرك  
سقطت الآلهة من السماء
متحجرة 
ربما  أشبع  من  البكاء  
حين  يستكن  الروح 
و يشرق  بي
قل  لي  يا أبي
كم  مضى  من الوقت 
على  غيابك
و  هل  النوم  هنا  لك 
أكثر  راحة 
قال  
هنا  يملكني  الموت حجراً 
فلا  أملكه
و  هنا  كل  الأحلام  هي
للتراب
قلت  إنهض  إذاً  من  هذه 
البرودة
و دعني أن  أنام  مكانك  يا
أبي
لأرضى  بهذا  الموت بعدك
إلى  يوم  القيامة  
دون  أن  أحمل  ذنب  
الراحلين
قال  
قبل  أن  تنام  معي  هنا
يا بني
هل كتبت من الشعر ما يشبه 
الموت 
و رقصت مع الملائكة
الصغار
و هل حملتك الفراشة لعالم
الخيال الوردي
و أدخلت لروحك من عطرها 
الفائح
و هل أضئتَ فجراً بعتمة 
الزمان
و  نقشت  على الحجر 
صورة  القصيدة  و هي
تبكي
هل  تمعنتَ  بشرح المفردات
حينما  أدمنت  الوحي
باكراً 
قلت آهٍ  يا أبتي
عندما أقتربت بوجعي من 
الآخرين  أشبعني
الندم
و إني قد  كتبت  على جدار
الحياة  راحلون
بسيرة  الحياة  الجارحة
لكني  
نسيت  في الغياب التام 
أن  أحيا بصورة 
الماء 
قال أبي
اكتب يا ولدي كل  ما يؤلمك
و تذكر  .. ؟
فمن يكتب وجعه في
الشعر
وحده  يملك  من  الوحي 
المعنى تماما

مصطفى محمد كبار 
حلب سوريا   ٢٠٢٣/٨/٥

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خواطر أدبية

خلف الجدار

خواطر أدبية. . . خيوط الشمس