عندما دخلنا عفرين

عندما دخلنا عفرين 
 
✍️ مروان خورشيد عبدو فاقي 

عندما دخلنا عفرين 
أنا و الطبيعةُ  
و ظلُّ الله على البحيرةِ ..  
كانت إمرأة ترتدي الريحَ ، 
و هي تقفزُ من فوق النهر بخفّةِ غزالة   
أخرى كانت ترتدي السماء ، 
و هي تصعدُ سلالمَ الزيتون في مواسمِ القطاف ،  
ثالثة كانت تشيرٌ إلينا ، 
حيث في كفيها تنامُ الأرضَ و السماءَ في الأبد . 

في عفرين 
شاعرٌ في قلبِ كهولته ،
يجلسٌ داخل المقهى ، 
و يعدُّ خَسَاراتَهُ
ثم يحلقُ في السماءِ ، 
يحلمُ بغدٍ ،
يربحُ فيهِ الأرضَ
التي سيحطُّ فيها جسدَه
بهدوءٍ 
بهدوءٍ أكثرَ 
بهدوءٍ أكثرَ أكثرَ في الأبد ..

عفرين 
عندما دخلناها
تركنَا خيطاً من الذهبِ ، 
يلاحقُنا كي ندلَه على صاغةِ الحريرِ ،
في سوقِ الذهب .  
تركنَا جرحاً ، 
بدون ملح يذوبُ في الماءِ .  
و تركنَا القرى تتوسدُ العشبَ ، 
و تهطلٌ على ابنائِها  
كما المطر .
  
في عفرين 
عدنان واحد مشتقٌ من العَدَنِ ،
لا يشبه جنتهه أي عَدَنٍ آخر . 
يرقصُ في الألمِ ،
و يضحكُ في الجنازات و المآتم ، 
ينزوي إلى التأملِ في الاعراسِ
عدنان
عمره من عمرِ شجرةٍ
أنجبتْ الكثيرَ من الأغاني ،
التي تركناها تنام في الحقول ، 
ترعى بقاءنا من ذئابِ العدم .

في عفرين ،
شارعٌ بطولِ الحياة ،  
و بازارٌ بحجمِ الربح و الخسارة ،  
و مرات كثيرة  
( تيتي تيتي متل ما رحتي جيتي ) .  

في عفرين ،  
الشمسُ وحدها ،  
تبردُ أكثرَ من أي شيء آخر ، 
لأن الأشجارُ تلفحَها بظلالٍ كثيرة ،  
و تحدَّ من شراستِها 
على المزارعين . .
في مواسمِ التعبِ .. 

في عفرين ،  
صبايا تقطفهنَ الأزهارُ ،  
من شدةِ ما لديهنَ من الرحيقِ .  
صبايا يتطايرنَ ،  
تاركات الفراشاتَ تعجزُ عن اللحاق بهن .  
صبايا ، 
تحول الأعراس إلى كرنفالات من الذهب ، و ليس للفضة أي أثر في كعوب أقدامهن ،  
غير أن الماءُ ينبثقُ منها  
حين تحطُّ خطاها في الأبد .  

في عفرين 
تنامُ قريتي جووووقة 
على سياجٍ من الألمِ ،  
و خضراءَ قلبها مثل وجودها ،  
و لن تفكرَ يوماً في العدمِ ، 
تصحو قريتي ،  
على تلويحةِ عائدِ من السفرِ ،  
أو من المعتقلٍ ،  
و تغيب معه ،  
في الوردة التي أسماها قلبي  
و لم ينساها في " العنكورة " تغصّ في الوجع .  

في عفرين 
الليلُ يعادل النهارَ تماماً ،  
فقط ثمّةَ عواءِ لكلابِ 
قدموا من هزائمِهم ،  
ليزيدوا حجمَ الهزيمةِ على حسابِ دمنَا ،  
و هو الآن يرحلُ في العبثِ .  

في عفرين ،  
زيتونةُ أبي ،  
التي رحلَ تحتها صباحَ 29 شهر نوروز سنة 2000 
تاركاً يديه ، و قلبَه ،  
بيضاءَ في سيرةِ أيامنا القادمات ،  
أبي الذي نامَ تحتَ زيتونة الأبد .  

في عفرين ، 
أمي توزعُ كرزَ يديها على المارين ،  
و تتوسدُ عشبَ القرية في إنتظارِ عودتنا ، 
من ناستفل  
من ابونغو
من بريمن 
من بريمنهافن  
من برلين 
من أربيل
من قامشلو 
من كوباني 
من حلب 
من خيم الشهباء المتناثره على قيودِ الخراب . 
أمي التي تنهضُ كل يوم ، 
لتمشطَ صباحاتَ القرية بحريرِ قلبها ،  
و يديها تلوحان لغيابِ أبي ،  
خلف غيمات من تعب . 

أخيراً في عفرين  
تجلسُ الطبيعةُ في الوجودِ ،  
و تبقى صامدة  
في وجه الريحِ  
و أن صارت عواصف و ضباع ،  
تجلس الطبيعة 
تعيد تهذيب الخرائط ،  
و لا توقعها في يد الأعداء ،  
أو في يد غرباء عن الأرض و البلد .

الشاعر مروان خورشيد عبدو فاقي/ عفرين ألمانيا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خواطر أدبية

خلف الجدار

خواطر أدبية. . . خيوط الشمس