ثقافة الحوار الأسري

" ثقافة الحوار الأسَرِيِّ "
مقال
بقلم الكاتبة الروائية // أمل شيخموس
                             🦋
 يقاسُ تطور الأفراد بمدى قدرتهم على النقاش و التعبير 
البيت الذي لا حوار فيه لا يستفيد أحدهم من تجارب الآخر و ذلك لعدم وجود مساحة للحوار و التنفيس عن تلك الخبرات و المشاعر غالباً ما يعيشون الصراع كلّ يخوض تجاربه على حدة  حتى الأم في هذه الحالة لا يتم الإستفادة مما لديها من فكر و تجربة إذ أنَّها تكون منغلقة في حالة صمتٍ وربما خرسٍ عاطفيٍّ كل شيء يعتمل في أعماقها فقط دون أن تبديهِ أمام صغارها فينتج عن ذلك أطفال صامتون منغلقون يسودهم الجهل ، و يكون التأخر واضحاً في مراحل حياتهم مقارنةً بأقرانهم الذين عاشوا جوَّ النقاش مما أدى لتفتح مداركهم و تبرعمها و غدوا كالزّهور العطرة ذكاءً و شعلة تضيء و تثبت ذاتها و تتحدى معضلات الحياة  في كل ميدان عن طريق التعبير عن الأفكار و المشاعر الأمر في غاية الأهمية و هل يستوي النور و الظلام ! كلا بالتأكيد إذ أن الظلام ينفثُ التوجس و الغموض و الارتباك و الخوف ، القلق و التوتر ، الهواجس اللا منطقية ، لأن الذي يحيا في الحلكة دوماً يتخيّل أشباحاً و أرواحاً شرّيرةً يتوهم أنَّها قد  تدهمه في أية لحظة . . يعيش الفزع و اللاتوازن عكس مَنْ يحيا الوضوح و السلام يكونُ عقلهُ في خيرٍ و تفتح مستمر للمدارك و القدرات و المواهب ، كما تجدهُ جريئاً مرحاً لأنه لا يقاسي من الكبت بل يعبر عما يعتمل في أعماقه نظراً للثقة التي اكتسبها من بيئته الصحيِّة التي كانت تشجع النقاش و الحوار و تتحلى به .
 كلٌ يجني حصادهُ فمن غير الممكن أن يزرع الإنسان العدس و يجني الشوك و من غير الممكن أن يزرع الثمر و الفاكهة أن يجني البور و اللاشيء .
السعي في مناكب الأرض بالخير و الأمان و البركات ، قمة المحبة أن تسعى لإنتاج بيئة صحيِّة خالية من العقد و الأمراض النفسية و ذلك لا يتم إلا بالحوار و النقاش و بالإحتضان بين الآباء و الأبناء الإحترام والتقدير المتبادل و هي من أجمل اللحظات التي تُرَسخُ في ذاكرة الطفل و تساعد في نموه النفسي و العقلي و الجسدي حتى الروحي ، يبقى مستنيراً يرسلُ النور للعالم من حوله و يبعث الأمل في النفوس . . إحياء البيوت لا يكون إلّا بالحُبّ وحده الّذي هو ليس بالأمر القليل فذلك ينعكس على المجتمع بأسره الأمر الّذي يساعد في خلق بيئة حوارية إبداعية بعيدة عن التعصب و الضغينة و الأمراض الإجتماعية منها الحسد و الغيرة الشّعور بمركّب النّقص و الدُّونيّة . . الإنسان عدو ما يجهل كل شيء يصله مضخماً في ظل الانغلاق و عدم التعبير ، الجرأة و الصدق و مواجهة التحديات بقوة و عزم لا يتأتى إلا من الفرد الذي يتحلى بروح النقاش و الإقدام على عملية حل الأمور بموضوعية دون اللجوء إلى التكتيم و التعتيم الذي يدمر البيوت و يدعها في حالة من الحرمان و الفقر العاطفي و العقلي و الجسدي فالإنسان لا يحيا فقط من خلال الأكل و الشرب بل التغذية الروحية و المعرفية و العلمية . . و الكثير من الجوانب التي يتطلبها العيش بسعادة ، فالإنسان يمتلك عقلاً عظيماً عليه استخدامه و إن لم يفعل ذلك فسيغدو فرداً انعزاليّاً منطوياً على ذاته يسوده الشك وربما عدم الثقة و التي تكون من أبرز سمات تلك الشخصيات ، فبالأمل نحيا و بالمحبة نكبر و بالنقاش نرتقي . . 
الأزواج الذين يزيفون الحقائق قبل الارتباط يصطدمون عند الولوج فيه بشخصيات غريبة لم يكونوا يعرفونها من قبل يتعثرون بما لم يتوقعوه لأنه مع التكتم و عدم إبراز السمات و الأفكار بسبب عدم النقاش والحوار الجاد بينهم منذ البداية و الّذي لم تُتَحْ لهم من خلاله معرفةُ بعضهم بعضاً ، و لم يتعدَّ الأمرُ أكثر من رسم كل واحد منهم فكرة وهمية عن الآخر في مخيلته بعيداً عن الحقيقة صورة تناسب أهواءه و ميوله ، و ما بُني على باطلٍ فهو باطلٌ مثل هذا الزواج يبقى يقاسي لسنين طويلة حيث يتم اصطدام أحدهما بالآخر عن طريق التجربة العملية الحياتية حيث يصعب تفهُّم احتياجات الشّريك لتنشئة أسرة متألّقة تكون أهلاً للثّقةِ .
أينما حل النقاش حلت البركة و الإنتاجية حتى في العمل عندما يكون المدير متعصباً منغلقاً لا يتقدم العمل و لا يتعدى الأمر كونه روبوت لا روح فيه و لا تطور يجدى يدير المكان ، إذ ✍ أن التعبير عن الأفكار يخلق الإبداع و يزيد من العطاء . . الأفكار الإنسانية هي التي تطور العمل في أي مجالٍ كذلك المشهد الثقافي يكون بديعاً من خلال التعبير و مناقشة الكتب و الأفكار و تداولها بين المبدعين و انعكاسها على المجتمع مع الوقت . . نحن من خلال التعبير و النقاش نتطور و لا نبقى في مراوحة المكان و الحوار ينبغي أن يكون في جوانب الحياة و مناحيها كافّةً ، فكما يقول المثل العلم نور و الجهل الظلام إذاُ علينا اتباع النور دوماً و الابتعاد عن خطر الظلام ما أمكن . 
تبادل الحديث يغني عن السّقوط في الحفرة السّوداء ذاتها و ذلك بتفاديها و الذي لا يتم إلا عن طريق النقاش و تقبل الأفكار السوية و الإنصات لها . الإنسان يعيش عمراً واحداُ لذا عليه الإستفادة من خبرات الذين يناقشونها بموضوعية و عدم تحيز و تجدر الإشارة هنا إلى دور الأدب الهادف الذي يعد منارة للأجيال و ذلك لأن الأديب و الشّاعر الحقّ يعبّران عن تجارب إنسانيّة و قضايا يوميّة ساخنة لا يمكن مناقشتها و الإطلاع عليها إلا من خلال المطالعة لأن ثمة خبرات لا تنتقل بصورة أوسع و أصدق من الكتابة ، فهو يناقش و يسكبُ روحه و فكره و نظرته لذاته و مجتمعه من خلال التدوين و المناقشة بحرية على الورق و أخيراً علينا أخذ الحكمة و لو من أفواه المجانين فالإنسان من خلال حاسة السمع أيضاً يتطور أي أن حسن الإستماع للحوار و النقاش في غاية الأهمية لتشرب ما يمكن للعقل و النفس و الروح الإستفادة منه من خلال فلترة الحديث و أخذ مايلزم منه بالمختصر و ليس التبحر الأعمى لمجرد الثرثرة أو حشو العقل و إرهاقه . . هدفنا هو النمو النفسي و الإقتصادي والإجتماعي أيضاً السياسي في المجالات العلمية و الطيبة و الأمنية و الإبداعية كافة . . أينما وجد الحوار البنّاء نتج عنه الإبداع . . كذلك يبين لنا الله تعالى من خلال القرآن الكريم قواعد الحياة و تبيِّنها عن طريق السور القرآنية المنهج أي إن التبيين حق لكل إنسان كي لا يبقى في جهل و يكون على دراية بما يجري حوله من أحداث و قضايا عليه تخطيها و معالجتها . النقاش حق من حقوق كل نفس بشرية للأسف يبخل الكثير من الناس على بعضهم به و ذلك لجهلهم بأهمية التعبير و الحوار فيبقى الأشخاص صامتين في حالة من الحيرة متخبطين و مثال ذلك الأزواج الذين يكتشفون الأسرار عن بعضهم بعد فوات الأوان و مضي العمر حيث يبقى أحدهما مغبوناً لأن شريكه آثرَ الصمت و عدم النقاش و معالجة الأمر ، فيدوم التوجس و الآخر في ظلم لعدم فهمه الأمر و هدر الطاقة و السعي المرهق في حالة الشريك الصامت الذي لا يعبر عن مشاعره و افكاره و المعضلات التي يمكنها أن تنهي العلاقة ، أو تُبقيها في مهبّ الرّيحِ رغم تتالي السنين و الضياع المستمر بالتأكيد في متاهات و عوالم غامضة ترهق الطرفين هنا يقع الظلم و الحرمان العاطفي و الجسدي لفقد التعبير و عدم الشّعور بالآخر و المتعة والإثارة و التشويق التي كلّها عوامل تقدّم سواء أكانت صداقة أم عاطفة أم عمل . 
بقلم الكاتبة الروائية 
أمل شيخموس // سوريا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خواطر أدبية

خلف الجدار

خواطر أدبية. . . خيوط الشمس