الطريق الى عامودا

الطريق الى عامودا..

(في حضرةِ الغيابِ مازلتَ حاضراً يا أبي..
في ذِكرى رحيلك... أهديكَ هذا النص) :

                    عبير عبدالرحمن دريعي 

لقد تُهت يا أبي 
وتاهت مني الدروبُ 

تائهةٌ أنا... 
في الطريقِ

 عامودا.. 
ليسَ لِقلبها سِوى بابٌ واحدٌ 
ليسَ لسوقِها إلا بابٌ وحيدٌ 
عامودا ليست مِثلُ روما 
تُؤدي إليها كلُ الدروبِ 
ولا بحرٌ هنا 
لا سُفنٌ في عامودا يا أبي 
فكيف أركبُ البَحر إليك؟. 
 
على جُدرانِ غُرفتي صُورتك 
والنايُ مركونٌ 
في أدراجي.. 

لا ريحٌ تهزُ الكُرومَ 
الحارسُ غارقٌ في الصلاةِ 
والثعالبُ تغتالُ العناقيد 

وحيدةٌ أقلبُ دفاترُ حلبَ 
أسمعُ صخبُ السهراتِ 
والحوارات َ... 
وغماماتُ دُخانُ سِيجارتك تلتحفُ فضاءَ ذاكرتي.. 

وحيدةٌ 
كنافذةِ الإنتظارِ 
أترقبُ موعدٍ قديمٍ 
أصحو، وأنام 
وحيدةً.. 
وفي سماءكَ مدينتي 
قمرٌ أزرقٌ كئيب
ينامُ مثلي..
وحيداً

وأمي ليست هنا 
فمن تروي لي الحكاياتِ 
من تُضيء الطريق؟ 

كانت أصابِعها مُضيئةٌ كالنبيذِ 
كانت لي ضوءاً 
و"شالها" الكُردي
مثل ضِفاف تضمُ نهر"آراس“
وتضُمني..

عِند قدميها كانت الفراشاتً تنام 
تصنعُ لي من ألوانِها 
أحلاماً
أطوفُ بِكعبتها
ليلَ نهار... 

وأنتَ يا أبي 
عند تُخومِ الكُرومِ
كانت أصابِعُك تعبثُ بالطينِ 
تصنعُ لي من الصَلصالِ 
كرسياً
وَكتاباً
وَسرير.. 

تصنعُ لي دمى 
وسياراتٍ
وأكباش 
وديوك 
تحمِلني في الطريقِ 
تحميني مِن حَجر هنا
أو شَوكٍ هُناك 
تحرسُني 
تحرسُ ضَحكاتي 
تتكتُم على حُزنكَ 
وضِحكتُك تصعدُ في وعُورة قلبي وحِجارةُ الطريقِ  .. 

ينفُخ في أسرارِ القصبِ
ويرتدُ صداهُ طاعِناً في الغيابِ
عند وِسادةِ زاغروس الأزرقُ العظيم 
وعويل قلبي 
مُترعٌ بالرمادِ 
والأسئلةُ تطفو 
أهمِس بهدوء :
هل كنتُ يوسُفكَ الأثيرُ
قبل أن تنهشني الذِئاب…؟. 
أخبرني يا أبي.. 

أرمي وصاياكَ للريحِ
دافيءٌ صوتُك
يحملهُ العَراء 
كهواءِ مِن مِلح 
يُدثرُ جُرحي القَديم

اروي لي الحكايةَ مِن جَديد 
و دَعْ الكتُب تروي تاريخُ إمرأة مطرزةً بالحنينِ 
والإنتظارِ ...
تترقبُ النِهاياتِ .. 

هناك حيث المَجانين 
يتسلقونَ تِلال الريحِ 
يعقدونَ إجتماعهُم الأخير 
يُوقدون لهيبَ العِشقِ 

اقرأ في تَفلِ فناجينِهم 
تبوحُ خيمةٌ ممزقةٌ بالأنينِ 
أشمُ رائحةُ الحَرملِ
والعويلِ .. 

نوروزُ إمرأةٌ نَهديها ريحٌ  
وغيمةُ مَطر 
ويمتدُ بيني و بينكَ حدودٌ 
وشجر 

وعلى جُدرانِ غُرفتي 
المِس صورتكَ 
أشعرُ بوجِهك 
وأنتَ تُشبهُ مدينةٍ  جريحةٍ 
تنامُ في خَيمة 
كقوسِ قَزح جريح 
ينزفُ الدَم من أحمرهِ 
تُضمدُ جُرحي 
وأحزاني 
وتمضي في طريقكَ 
حراً 
نحو غابات الزيتونِ 
يأخذني الطريق إلى عامودا 
أسيرةٌ أتعثرُ بحِجارةِ 
الطريقِ ..

 عامودا 
22/5/2022

+++++++++++++++++++++++++

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خواطر أدبية

خلف الجدار

خواطر أدبية. . . خيوط الشمس